بقلم : د زغلول النجار
القرآن الكريم هو آخر الكتب السماوية وهو كتاب الله الذي أنزله على خاتم أنبيائه ورسله سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم- وهو المعجزة التي تحدى الله - سبحانه وتعالى- به العرب من أهل الفصاحة والبيان، حيث تحداهم في أكثر من آية منه على أن يأتوا بمثله فعجزوا، ثم تحداهم أن يأتوا بعشر سور مثله مفتريات فعجزوا، إلى أن تحداهم أن يأتوا بآية من مثله فعجزوا أيضا، وهم أهل الفصاحة والبلاغة والكلام، كما أنه كان بلغتهم إلا أنه أبهرهم وأعجزهم في بيانه وفصاحته وبلاغته.
هذا القرآن الكريم قد حفظه الله - تعالى- من التحريف والتأويل، فكل الكتب السماوية السابقة ما منها من كتاب إلا وتم تحريفه، أما القرآن الكريم فقد حفظه الله تعالى من التأويل والتحريف فقال تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ ]الحجر : 9[.
والإنسان بطبيعته يحيا في هذا الكون الشاسع فتدور في خاطره العديد من الأسئلة كأن يقول: من أنا؟ من خلقني؟ وما هي رسالتي؟ وما مصيري بعد هذه الحياة؟
والإنسان بطبيعته إذا لم يجد إجابة على أسئلته هذه سوف ييأس من حياته فأنزل الله وحيه من السماء بهذا الكتاب ليجيب لكل إنسان عن أسئلته التي تجول في خاطره حتى يهدأ باله ويسعد بحياته؛ حتى لا ييأس منها، إذ أن فيه إجابات لكل الأسئلة فهو صالح لكل زمان ومكان ولكل وقت وحين فهو لا ينضب من كثرة الرد.
كما أنزل الله هذا الكتاب ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، فالعرب قد انحرفوا عن مِلل الأنبياء السابقين وتركوا ملة خليل الله إبراهيم وولده إسماعيل، وعبدوا الأصنام والأوثان والكواكب والنجوم، مع أنها لا تنفع ولا تضر ولا تستطيع دفع الضرر عن نفسها، فأنزل الله إليهم ذلك الكتاب ليخرجهم من الظلمات إلى النور.
كما انحرف اليهود أيضًا عن هدْي نبيهم الذي أرسله الله إليهم وهو سيدنا موسى - عليه السلام- فحرفوا التوراة وتقولوا على رب العالمين، وكذلك النصارى قد انحرفوا عن هدْي نبيهم عيسى بن مريم - عليه السلام- وحرفوا الإنجيل وعبدوا عيسى وأمه واتخذوهما إلهين من دون الله، وملأوا الأرض ظلما وجورا.
فأنزل الله إليهم هذا الكتاب – القرآن الكريم- ليخرجهم من الظلمات إلى النور، وليخبرهم أن الإنسان في هذه الحياة الدنيا له وجهتين: أولاهما: عبادة الله بما أمر به ، وثانيهما: القيام على عمارة الأرض والمحافظة على ما أودع الله – تعالى- فيها من خير ومنافع للناس.
وكان حفظ القرآن الكريم من التأويل والتحريف بأمر من الله تعالى حيث يقول في كتابه وهو أصدق القائلين: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ ]الحجر : 9[.
كما أن حفظ القرآن الكريم كان حدثا فريدا في تاريخ رسالات السماء، فقد نزل القرآن على النبي - صلى الله عليه وسلم- منجما – مفرقا- في حوالي ثلاث وعشرين سنة تقريبا، فكان ينزل الوحي بالآية أو الآيتين أو السورة على النبي - صلى الله عليه وسلم- ثم من فم النبي – صلى الله عليه وسلم- إلى كتبة الوحي وكان – صلى الله عليه وسلم- يقول لهم: ضعوا هذه الآية في موضع كذا وهذه في موضع كذا، حتى كان آخر رمضان من عُمْر النبي – صلى الله عليه وسلم- تم ترتيب آيات القرآن الكريم في سور وترتيب السور في القرآن توقيف من الله سبحانه وتعالى.
وأخيرًا، تم جمْع القرآن في مصحف واحد في عهد الخليفة الأول للمسلمين بعد وفاة الرسول – صلى الله عليه وسلم- أبو بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه- ثم في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان – رضي الله عنه- تم جمع القرآن الكريم في المصحف العثماني الذي أرسله إلى العديد من الأمصار المسلمة حتى لا يحدث فيه تحريف، وهذا المصحف العثماني قد نسخت منه بلايين النسخ، كما نقلت عنه بلايين المصاحف، وطبعت بلايين الطبعات منه، وعلى العديد من وسائل الإعلام المتجددة، وفي الصدور قبل السطور امتثالا لقول ربنا – سبحانه وتعالى- وتحقيقا لوعده الإلهي حيث قال تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ ]الحجر : 9[.